بهلول المجنون
(بهلول المجنون)
بين السماء والأرض للعالم الجليل مرتجي عبدالرؤوف
¤ عرض ¤
أحمد
الشاعر العقالي
قال مالك بن دينار : مررتُ بمقبرة فوجدتُ بهلول المجنون قاعداً بين القبور وهو عريانا إلا ما يستر العورة؛ فأتيتُ نحوه لأستفيد من طرائفه؛
فوجدته تارة ينظر إلى السماء فيستهل (أي يفرح ويستبشر)، وتارة ينظر إلى الأرض فيعتبر، وتارة ينظر عن يمينه
فيضحك، وتارة ينظر عن شماله فيبكي، فسلمتُ عليه فرد السلام؛ فسألته عما رأيتُ من حاله؟
فقال يا مالك: أرفع رأسي إلى السماء فأذكر قوله تعالى :" وفي السماء رزقكم وما توعدون"؛ فأستهل (أي يَتَهَلَّل وجهه فرحاً).
وأنظر إلى الأرض فأذكر قوله تعالى :" منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى"؛
فأعتبر.
وأنظر عن يميني فأذكر قوله تعالى :" وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين "؛ فأضحك.
وأنظر عن شمالي فأذكر قوله
تعالى :" وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال "؛ فأبكي.
فقلتُ: يا بهلول إنك لحكيم، أتأذن لي أن اشتري لك قميص قطن؟ قال : أفعل؛ فسارعتُ للسوق وأتيته بقميص قطن، فنظر إليه وقَلَّبَهُ يميناً وشمالاً ورمي به إلىَّ وقال: ليس مثل هذا أريد؟
قلت: وكيف تريده؟
قال: أريدُ قميصاً من الإخلاص محفوظاً من الدَّنَس والانتقاص؛ غُرسَ قطنه بالحقائق، وحرس من جميع البوائق، سقاه جبريل بماء السلسبيل فأينع حسناً وأثمر قطناً، فلقطته أيدي الكرام البررة، التاليين سورة الحمد والبقرة،
ثم حلجته أكف الوفاء بعز وصفاء من غير جفاء، ثم نخلته الأوتار المتصلة بالأنوار، وغزلته مغازل الحمد والثناء بالمحبة والاعتناء،
جُعلت الجنة لناسجه ثواباً، وكان هو للابسه من النار حجاباً.
فهل تقدر يا مالك على مثل هذا؟
فقلتُ: إنما يقدر عليه مَنْ خَصَّكَ بوصفه، وألهمك لمعاينته وكشفه، ثم قلت: يا بهلول صف لي لألبس هذا القميص؟
فقال : نعم! يلبسه من خَصَّهُ الله بأنواره، وكتبه في ديوان أبراره، وأحياه بالسابقة، وقواه بالعزيمة الصادقة، فجسمه بين الخلق يسعي، وقلبه في الملكوت يرعى، فلا يتكلم بغير ذكر الله لفظة، ولا ينظر لغير الله لحظة،
ثم صاح صيحة عظيمة وقام وهو يقول : إليكَ فَرَّ الهاربون، ونحوك قصد الطالبون، وبابك أناخ التائبون (انتهي) ..
تُرى .. إنْ كان بهلولاً هو المجنون فماذا عَسَانا نكون؟!!
اللهم إنَّا قد وقفنا ببابك فلا تطردنا، ونحن انتسبنا لجنابك فلا تحرمنا، يا أرحم الراحمين.
منقوله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق