[آخر المواضيع][6]

مقالات
وقضايا
مناسبات
محليات
محافظات
أخبار
سياسة
شعر
أخبار عربية
اخبار عربية
شعر عامية
قضايا
برقية تهنئة
ثقافة
اخبار عالمية
فنون
تعليم
اخبار
رياضة
أخبار عالمية
شعر شعبى
حوادث وقضايا
صحه
تعليم عالى
وفنون
دينية
دين
برقية عزاء
الاحزاب
ريلضة
سياسه
حوارات ولقائات
الجامعى
وغنائى
قصه وعبره
المرآة
المر آة شخصيات
خبرعاجل
تحقيقات
وفيات
أخبار خبرعاجل
و
قصه
وزارة .
جمعيات خيرية
الازهر
خبر عاجل
م
حوادث
تهنئة
برقية
مال واعمال
وجامعى
.
ه
جمعيات
اعلان
الازهر الشريف
أخباررياضة
الوفيات
عالمية
الشريف
المطبخ والشيف والماكولات
الارصاد الجوية
الأوقاف
المالية
خبار
سيارات
م وقضايا
وزارة الأوقاف
الطب
ندوة
أندية ريا ضية
حوارات
ومثلثلات وافلام
الشباب
بطولات
تربية
حب
مال
ا
السياحة
خيرية

خدماتنا


حول السحر بين الدين والفكر


 “حول السحر بين الدين والفكر


حواري مع الدكتور السيد إبراهيم أحمد


أدارت الحوار:


الإعلامية والأديبة السورية روعة محسن الدندن - مديرة مكتب سوريا للاتحاد الدولي للصحافة والاعلام الالكتروني وسفيرة النوايا الحسنة وحقوق الانسان لمنظمة الضمير العالمي و لحقوق الانسان والعضوة بعدة اتحادات عربية.


ضيف الحوار:


دكتور السيد إبراهيم أحمد، رئيس قسم الأدب العربي باتحاد الكتَّاب والمثقفين والعرب ـ باريس، وعضو شعبة المبدعين العرب بجامعة الدول العربية، والمحاضر المركزي بهيئة قصور الثقافة ـ وزارة الثقافة المصرية.


تشكل ظاهرة اللجوء إلى السحرة والمشعوذين في مختلف المجتمعات خطرا على الإنسان من الإنسان نفسه، حين يتحد مع الشيطان من أجل إنزال الأذى على قلب ورأس على خصمه أو منافسه، وهو يظن أنه عمل قديم مارسه الإنسان في مجتمعاته البدائية، وحضاراته الكبرى، وصولا إلى العصر الحديث الذي اتسم بالتقدم العلمي والمعرفي والتكنولوجي، غير أنه مازال نفس الإنسان الضارب في عمق التاريخ الذي يستهويه ممارسة السحر وتعلمه، واستخدامه، والتكسب من اتخاذه مهنة، ولا يدرك المصير الذي ينتظره في الدنيا والآخرة، وحول السحر وآثاره وممارسته بين الدين والفكر نبدأ هذا الحوار مع الأديب الموسوعي دكتور السيد إبراهيم:


ـ سعادة الدكتور، لقد تم اتهام الأنبياء بالسحر .. فهل كان السحر يوما يدعو لعبادة إله واحد قديما أم كان اتهاما للحفاظ على السلطة وعبودية الناس للبعض وللشيطان؟


سعيد باستكمال هذا الحوار عن السحر الذي بدأ بين سعادتك كاتبتنا الكبيرة روعة هانم، وبين الراحل الكبير بروفيسور محمد حسن كامل رحمة الله عليه.. دعينا نتفق أن هذا السؤال تركيبي. لابد له من تأصيل وتفصيل وتفكيك، ولنبدأ باتهام الأنبياء عليهم وعلى نبينا السلام بممارسة السحر إلى جانب العديد من الاتهامات التي تتصل بالجنون والكهانة ، وكان الغرض منها هو صد وصرف الناس عنهم، وعما يدعونهم إليه، وعن الجلوس إليهم وسماعهم، ولم يكن هذا خاصا بكفار قريش إنما كان ذلك في الأمم السابقة أيضا.


ولم يكن السحر يستخدم للدعوة إلى عبادة الإله الواحد سواء في القديم أو في العصر الحديث، وذلك لأن الأديان السماوية تحاربه وتتخذ منه موقفا موحدا وتأتي الشواهد من اليهودية والمسيحية والإسلام، على هذا الموقف الرافض للسحر وأعماله، لكونه يمثل تطاولا على الله تعالى وتحدياً لمقدرته، ويعتبر المؤمن منتهكا للعقيدة التي يؤمن بها حين يلجأ لمخلوق ليصنع له سحرا، ويستعين به بديلا عن الاستعانة بالله، مع علم ذلك المؤمن أو جهله بأن الساحر إنما يستعين بالشيطان والجن الشرير المتمرد على الله. فاليهود يعتبرون الجن ظلالا وأشباحا للأجسام البشرية، وقد جاء في سفر التثنية: "لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم. لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار، ولا من يعرف عرّافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر، ولا من يرقي رقية، ولا من يسأل جاناً أو تابعة، ولا من يستشير الموتى، لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب..."، بينما جاء التحريم في المسيحية في قول بولس الرسول، في رسالته لأهل غلاطية: "كل من يتعاطى السحر فإنه لا يدخل إلى ملكوت الله". 


ولا يختلف الإسلام عن الديانتين السماويتين في موقفهما من السحر؛ فقد جاء موقفه حاسما، حين حرّم تعلم السحر وتعليمه وممارسته، وذلك لسد المنافذ أمام الخرافات من أن تتسلل إلى عقول المسلمين فتمنعها عن التفكير الصحيح، وممارسة التخطيط القائم على قانون الأسباب والمسببات وهو القانون الذي يقوم عليه نظام الكون .وقد شهدت الآيات من كتاب الله الحكيم والأحاديث النبوية الشريفة بأن السحر طريق للفساد ويتسبب في وقوع الأضرار بين الناس، وفي اتباعه مدعاة للكفر بالله والخروج عن الدين والشرع الحنيف.


ـ ويتبقى الجزء الثالث من السؤال حول أن السحر اتهام للحفاظ على السلطة وعبودية الناس للبعض وللشيطان؟


في هذا الجزء الهام من السؤال يجب أن نتبين العلاقة بين السحر وبين السياسة والساسة سواء في القديم أو في عصرنا الحاضر، وذلك لانتشار الممارسات السحرية بين البشر دون تفرقة بين البلدان المتخلفة أو النامية أو تلك الدول التي بلغت شأوا عظيما في التماهي مع العلم في أعلى تجلياته، ومبعثه خوف الإنسان من الغيبيات والمفاجآت التي تصاحب جهله وعجزه في فهم الظواهر الطبيعية في القدم، فقد ظل الخوف من القادم والمجهول يؤرقه، فبحث عن الوسائل التي تحول بينه وبين الأقدار السيئة من الأمراض أو الكوارث التي قد تصيبه أو أفراد عائلته، بل سعى أيضا لمحاولة جلب الأقدار السعيدة المتمثلة في الحظوظ الجيدة. 


وقد تعجبين حين تجدين أن السحرة من خلال ممارستهم قد تحولوا إلى رتبة دينية أرفع حين صاروا "كهانا"، وصارت لهم الكلمة الفاصلة في كل ما يتعلق بحياة الأفراد والجماعات في مجتمعاتهم، وهو ما أعطى الساحر/الكاهن مساحة كبيرة في التأثير على العقول ثم ممارسة السلطتين الدينية والسياسية، بل صار يصدر القرارات الهامة التي تؤثر على مصير البلاد والعباد، وستعجبين أكثر أن أولئك الصفوة من السحرة الماهرين مازالوا يتمتعون بنفس القدر من المكانة المتميزة، والقرب المكاني من القادة والزعماء والساسة، ويتميزون بالنفوذ الواسع، والقدر الهائل من التبجيل والتوقير والمهابة، ولعل من يقرأ سيرة راسبوتين سيدرك ذلك وموقعه من عائلة القيصر نيكولاس الثاني، ومنهم الإمبراطورة أليكساندرا زوجة الإمبراطور نيقولا الثاني التي كانت تؤمن أن لديه قدرات خارقة على الشفاء؛ فقد ساعد ابنها ولي العهد أليكسي في الشفاء من مرض "الهيموفيبيا" الذي يمنع تجلط الدم.


ولن يتسع الحوار لقص الكثير عن استعانة العديد من القادة والرؤساء في الغرب عن السحر والسحرة، مثلما عرفه تماما العديد من القادة والرؤساء والساسة العرب من الراحلين والأحياء. غير أنني أرغب في العودة لنقطة هامة من الجزء الثاني من سؤالك كاتبتنا الكبيرة.


ـ لماذا يا دكتور؟


قد يرى البعض أن هناك سذاجة في طرح السؤال على هذه الكيفية: هل كان السحر يوما يدعو لعبادة إله واحد قديما؟ غير أن لهذا أصل في الواقع؛ فقد كانت ديانات الشرق الأدنى التوحيدية اليهودية والمسيحية والإسلام تشوه بعضها صورة البعض؛ فممارسة سر التناول وعبادة الثالوث المقدس في المسيحية شكَّلت تربة خصبة بالنسبة للنقاد من المسلمين واليهود، ولطالما كان المسيحيون والمسلمون يضطهدون اليهود بزعم أنهم يمارسون شعائر سحرية فاحشة، متبعين بذلك خطى السلطات الرومانية في الشرق الأدنى التي كانت تعتبرهم يشتغلون بالسحر، كما صور المسيحيون الإسلام بأنه دين غارق في السحر. بل كان عالم الاجتماع الرائد ماكس فيبر يرجع انتشار الإسلام في أفريقيا إلى أساس ضخم من السحر، ظل من خلاله يتفوق على الأديان الأخرى المنافسة على الرغم من أن المسلمين الأوائل كانوا يرفضون السحر، وقد أرجع فشل عدد من البعثات التبشيرية في أفريقيا والشرق الأوسط في القرن التاسع عشر في تنصير عدد من المسلمين، إلى ما تعلل به المبشر الأمريكي الكالفيني صمويل زويمر بقوله: (ما من دين توحيدي آخر تجد فيه السحر والشعوذة راسخَين بقوة كما هما في الإسلام)..


ـ ينسب البعض إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، قول: "تعلموا السحر ولا تعملوا به"، فما مدى صحة هذا القول؟ ولماذا دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لتعلم السحر ـ إن صح الحديث ـ مع العلم أن تعلمه له شروط وهو محرم في الإسلام؟ 


ـ من المؤكد أن هذا القول المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم، ليس بحديث، بل موضوع، وباطل لا يصح، بل يتعارض مع جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى : ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 102 - 103].


وتشير هاتين الآيتين بجلاء إلى أن تعلم السحر وتعليمه كفر ومضرة في الدنيا والآخرة. كما أن السحر محرم بالكتاب والسنة والإجماع، وهناك الكثير من الأدلة المعلومة على تحريم السحر تماما، والتحذير من ممارسته، أو الالتجاء للسحرة والعرافين والكهان، لأنه من الموبقات.


بالانتقال للجزء الثاني من السؤال، والذي قد يرى البعض ـ بداهة ـ أنه لا محل لإيراده ما دمنا قد حكمنا بكفر من تعلم السحر وعلمه، غير أن المحاورة القديرة تلفت الانتباه إلى قضية أخرى اختلف العلماء والفقهاء حولها وانقسموا بين مجيز لتعلم السحر لأسباب، ونافيا لتعلمه تماما، وقد ذهب بعض علماء المذاهب إلى جواز تعلم السحر للضرورة، بل عدَّ بعضهم تعلمه "فرض" إذا كان المقصود من تعلمه رد سحر أهل الحرب، ويكون تعلمه "حرام" إذا استخدمه من يتعلمه ليفرق بين المرأة وزوجها، وتعليمه "جائز" لمن أراد التوفيق بينهما. 


وقد جاء رأي من ينفي تعلمه لما تم إيراده من الأدلة السابقة، كما أن في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من الأدوية النافعة للسحر وغيره، خاصة أن في تعلمه خطر على الفرد الذي سيتعلمه، وعلى المجتمع. كما أن العلاج بالسحر، محرم عند جمهور العلماء، غير أن علماء المذهب الحنبلي قد أجازوا استعماله في نفع الغير للضرورة فقط. والراجح هو عدم الجواز، والبعد تمام الابتعاد عن السحر مطلقًا تعلمًا وتعليمًا وعلاجًا، لأن في تعلمه العديد من المفاسد الكثيرة، ومنها: استغلال الساحر لحاجة الناس، وما يشكله من فساد لعقيدة المسلمين الذين يطلبون العلاج به لاعتقادهم بأن السحر وبالأحرى الساحر ينفع ويضر. 


ـ دكتور السيد إبراهيم، يتهم البعض من ينكر السحر بأنه غير مصدق بما جاء في القرآن الكريم من ذكره؟ وهل ذكر السحر في كتاب الله لنؤمن بوجوده أم لهذا الذكر أسباب وعبر؟


لا يجوز للمسلم أن ينكر السحر حيث أصبح من الحقائق المسلَّم بوجودها، وقد حوى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من الآيات والأحاديث التي أثبتت وجوده، وما ورد عن سلف الأمة من أخبار لا تنكره، واتفاق أهل السنة على وجوده، غير أنهم اختلفوا في حقيقته على قولين: والقول الأول هو مذهب أهل السنة والجماعة وجمهور الفقهاء بثبوت السحر وأن له حقيقة، والقول الثاني يضم المعتزلة ومن وافق قولهم من أن السحر ليس إلا تخييل وإيهام وتمويه، وبالتالي فلا حقيقة له.


وعلى الرغم من أن من ينكر حقيقة السحر ويراه مجرد خيالات، ويخالف ظواهر النصوص، وما عليه عامة علماء المسلمين، إلا إن إنكاره ليس من الكفر، وهو اختلاف في الأحوال فيما يراه بعض العلماء؛ فكل فريق نظر إلى صنف من أصناف السحر، وحكم عليه.


ولم يذكر السحر في القرآن الكريم للإيمان به، بل بأنه حقيقة ووجود في الواقع البشري، غير أن القرآن لم يمدحه بل ذمه، وأن ما ينفي أن هذا الذكر للإيمان به هو ما قاله شيخ الأزهر فضيلة الإمام أحمد الطيب: (أن الإيمان بالملائكة أصل من أصول الإيمان الذي بينها النبي صلى الله عليه وسلم وهي الإيمان بملائكته وكتبه ورسله اليوم الآخر والقدر، فلو لم يؤمن بالملائكة لانهدم إيمانه تمامًا، أما الإيمان بالجن، فالقرآن على الرغم من حديثه عنهم لم يجعل الإيمان به عقيدة من عقائد الإسلام).


ـ لممارسة السحر يجب التحالف مع الشيطان، ولذلك كان قديما يتم تعذيب وحرق السحرة، كما أن الشيطان لا ينقذ شركائه من هذا الأمر؟ 


التحالف أو الاتفاق بين الساحر والشيطان، معروف من قديم، ويتم غالبا من خلال عقد يتم بينهما لإثبات بيع الساحر روحه ونفسه للشيطان مقابل ما سيمنحه الشيطان له من القوة والمقدرة لعمل السحر، والقيام بفعل بعض الأعمال الكفرية الصريحة سواء في الخفاء أو العلن، كما يكون الشيطان خادما للساحر أو مسخرا نفسه لخدمة الساحر، ومنفذا لأوامره في طاعة عمياء؛ فيخبره بأمور قد حدثت، أو يقوم بمهمة التفريق بين اثنين، أو إلغاء المحبة بينهما، وكافة أعمال الشر التي يطلبها أو بالأحرى يأمره بها الساحر.


وقد تبين صحة وجود العقد المتفق عليه من التزامات بين الشيطان والساحر، وذلك حين تم إعدام الساحرة الشهيرة "ستيفنون دي أوديرت" في عام 1619م، وقد أظهرت للقاضي صورة عقد أبرمته مع الشيطان وهذا العقد عبارة عن قطعة قذرة من جلد القط أو الكلب ملوثة ومحررة بدماء الحيض، وهناك صورة لعقد الساحر "أوربان جراندييه" الموجود حاليا في المكتبة العمومية في باريس، كما يوجد في مكتبة جامعة إبسالا باستكهولم صورة لعقد الساحر "دانيال سالثنوس" أستاذ اللغة العبرية. ومن أغرب العقود عقد "جرجينتي" وهو من أكبر وأشهر السحرة، وهذا العقد إلى الآن لم يستطع أي ساحر فك رموزه، وتكون مدة الاتفاق لفترة زمنية معينة، أقلها ثلاثة أيام، ولا حد لأطولها؛ فقد تكون شهورا أو تطول لعدد من السنوات، يتم تجديدها بينهما.


لم يعرف الإسلام حرق السحرة وإنما إذا علم أن الرجل يمارس السحر فهو مشرك، عقوبته القتل في الدنيا، وفي الآخرة النار إذا مات على سحره ولم يتب؛ فينبغي على من يمارسه التوبة إلى الله، لإنه إن مات على سحره صار كافرًا من أهل النار؛ لأن السحر من آثار دعاء الشياطين، والاستغاثة بهم، واللجوء إليهم، فهو كفر لما يترتب عليه من دعاء الجن، والاستغاثة به، هذا من ناحية عقوبة الساحر في الآخرة. أما في الدنيا فيجب على ولاة الأمر إذا عرفوا أن الرجل ساحرًا أن يقتلوه حدًا بضربه بالسيف. 


لقد تم قتل العديد من النساء بدعوى أنهن يمارسن السحر فى العصور الوسطى في الغرب، وشاعت عملية "مطاردة الساحرات" وما تضمنته من بحث واضطهاد لكل من يشتبه فيه بممارسة السحر بأوامر من الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية بعدها، وتنزيل عقوبة الإعدام بدون محاكمة، أو من خلال محاكمات هزلية، وأما إذا ثبت أن هناك سيدات يمارسن السحر؛ فتُساق الساحرة لينتزعوا منها الأقوال والاعترافات، عن طريق كسر ساقها أو تقليع أظافرها من أجل أن تعترف بارتكابها هذا الفعل الشنيع.


صدقتِ كاتبتنا القديرة أن الشيطان يتخلى عن شركائه من السحرة، ولا يمد لهم يد الإنقاذ أو المعونة، حتى في مرض الساحر أو حين يصيبه الفقر أو مصيبة فيتنكر له ويتخلى عنه تماما، مهما توسل الساحر له وأخلص له طوال فترة التحالف بينهما فلن ينفعه أو ينقذه، وفي النهاية الساحر هو الخاسر في الدنيا والآخرة. 


ـ العالم الغربي يؤمن بالسحر رغم تطور العلم؛ فالإيطاليين يخافون الحسد، والسويديين يؤمنون بالسحر ولا يؤمنون بالدين، فإلى أي حد سيطرت الأساطير والشعوذة والسحر على العالم بأكمله؟


لسنا وحدنا العرب أو مواطني العالم الثالث النامي أو المتخلف الذي يدهش أو يتعجب من طرح سؤالك روعة هانم؛ فقد بدأ الغرب نفسه بمحاولة الإجابة على مثل هذا السؤال، كما فعل "أوين ديفيز" أستاذ التاريخ الاجتماعي بجامعة هيرتفوردشاير، ونشر العديد من المؤلفات حول تاريخ السحر والشعوذة والأشباح، من بينها: "مخطوطات: تاريخ كتب السحر" و"المسكون: تاريخ اجتماعي للأشباح" و"الوثنية: مقدمة قصيرة جدًّا"، و"السحر: مقدمة قصيرة جدًّا".


وهو نفس اهتمام "بريان كوبنهافر"، أستاذ الفلسفة والتاريخ في جامعة كاليفورنيا، والذي خصص كتابه الأخير لدراسة "السحر في الثقافة الغربية"، الذي يرى أنه بلغ قمة انتشاره في العصور الوسطى الأوروبية، كما أن السحر في العصور الحديثة له علاقة وثيقة وعضوية مع الفلسفة، ذلك أن الفلسفة الغربية القديمة مهّدت الطريق أمام المواطن الغربي للاستعانة بعالم السحر، ويبرهن الكاتب على أن المسيرة العلمية الإنسانية وجدت الكثير من دوافع تقدّمها في زوايا التفكير السحري، باعتبار أن التنجيم الفلكي له صلة ما بعلم الفلك الحديث، وهو ما يجعل العلوم الحديثة عبر الثورة الصناعية الكبرى قد نمت وتقدمت من خلال أسئلة ساهم التفكير السحري في طرحها على العقل الإنساني، مما كان دافعا له في ارتياد أقصى مغامرة معرفية للكشف عن أسرارها، بل إن هذا التفكير موجود عبر قوى كامنة في الطبيعة استطاع أن يستنهضها في محاولة للكشف عنها انطلاقا من جهود العلماء الحثيثة لفهمها والوصول إلى كنه طلاسمها. 


وعموما يكفي الاطلاع على الخواء الروحي الذي يعاني منه الإنسان الغربي حتى أصبح يستعيد الوثنية، وعبادة الشيطان، واستخدام السحر، حيث يعتقد الوثنيون الحديثون أن السحر قدرة فطرية يمتلكها الجميع، بشرط أن يتعلم كيفية تسخير هذه الطاقة الجوانية، ضمن القواعد الأخلاقية المعروفة، وأهم هذه القواعد هو قانون "إذا كان السحر لا يضرّ فما عليك إلا أن تفعله كرجل، أو تفعليه كامرأة".. والأمر في استقصاء أسبابه فوق طاقة الحوار، ومازالت الأسئلة تتوالى، والدراسات تتالى، ومن يمارسون السحر في ازدياد، ومن يلجأون أو يلجأن إليه يتنامون ويكثرون أو يكثرن. 


ـ قل لي يا دكتور: لماذا النساء هن الأكثر لجوءًا للعرافين والسحرة؟


جميل أن تسأل هذا السؤال سيدة، غالبا ما يدفع النساء إلى اللجوء للسحرة العديد من العوامل، أهمها: الخوف من المستقبل، وعلينا أن نستعرض مخاوف كل امرأة في مجتمعها، وطبيعة تعامله ـ أي المجتمع ـ معها؛ فالمرأة العربية قد تكون مخاوفها محصورة في الخوف من الزوج الذي قد يستبدلها بأخرى بالطلاق أو بالمصاحبة، أو أن يضم عليها أخرى بالتعدد، وقد تكون فتاة قد فاتها قطار الزواج وتحاول الهروب من جحيم العنوسة إلى جنة الزواج كما تتوهم، أو أنها أرمل أو مطلقة وتريد الارتباط برجل تأنس إليه وتطمئن إلى خلقه، أو تحاول فتاة جلب الحبيب الذي غادرها لأخرى وتعرف أنه لا يريد العودة.


وقد دفعني هذا لكتابة قصة قصيرة بعنوان "طقوس للعودة، ستتحول إلى فيلم يخرجه المخرج المصري أحمد يحي، وتناقش خوف مطلقة من بنات الطبقة الراقية، غير أن أسرتها قد أخنى عليها الدهر فافتقرت، ولهذا تزوجت ممن يكبرها سنا من الأثرياء، لتنقذ نفسها وأسرتها، ثم مات بعد أن ترك لها ثروة كبيرة، فتزوجت بشاب يصغرها سنا من أصول أسرية فقيرة، وقد عانى من صلفها وغرورها بعد حياة زوجية غير طويلة؛ فترك لها المنزل، ولا تعلم إن كان سيعود إلى فراشه وبيته من جديد، أم سيهجرها للأبد؟ فأوصتها صديقة أو عاملة في منزلها باللجوء إلى السحر، وقد تناولت القصة ولأول مرة في مجال القص العربي طقس "الشبشبة".. والذي أتى في النهاية بغير ما تشتهي الرياح للمرأة التي استعدت لجلب الزوج الجديد أو القادم.


وكما أن الرجال من كبار القادة والمناصب السياسية يلجأون في الشرق والغرب للاستعانة بمشاهير السحرة، فليس على المرأة عيب أن تلجأ هي الأخرى إليهم باعتبارهن الطرف الأضعف في المجتمعات العربية، وهو أمر نابع من إحساسهن بالهوان الذي يدفعهن للاستعانة بقوة السحر التي تمنحهن ـ ولو وهمًا ـ فرصة للثبات، والصمود في وجه الظروف المعيشية الصعبة، والاجتماعية الشرسة، وتغول بعض الرجال، والنساء أيضا عليها، مما يدفعها لارتكاب الكثير من الموبقات والآثام التي قد تخرجها من الإيمان إلى الكفر، حين تسعى لأعمال السحر التي تمنع "ضرتها" من الحمل، أو تُقبِّح صورة فتاة أمام من يطلبونها للزواج، أو تسعى للتفريق بين زوج وزوجه من أجل أن تفوز هي به، وهو ما ينفي أن المرأة هي الطرف الأضعف في المعادلة المجتمعية، بل تصبح ـ أحيانا ـ الطرف الأشرس من أجل تحقيق مآربها ولو بالتحالف مع الشيطان.


ـ لا أملك في النهاية سوى أن أهنئك معالي الدكتور على هذا الفيلم، وأعلم أنك نصير للمرأة في معظم أعمالك، وأدعو الله في النهاية أن يقوي إيماننا بالالتجاء إليه سبحانه؛ فهو نعم المعين والنصير، ومجيب الدعوات، بديلا عن اللجوء إلى السحر والشعوذة التي صارت ديدن المجتمعات في العالم كله بصفة عامة، لا فرق بين دول متقدمة ومتخلفة؛ فالإنسان هو الإنسان.. وغاية ما أختم به هو تقديم الشكر والامتنان للأديب الموسوعي دكتور السيد إبراهيم أحمد،.. وعلى أمل اللقاء بكم في حوار جديد أترككم في أمان الله وأمنه حتى نلتقي.

حول السحر بين الدين والفكر

حول السحر بين الدين والفكر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

mdwab

جريدةجريدة مصر غدآ

رائيس مجلس إدارة احمد مهران الزبداني ابو العزايم محمود عطية نائب مجلس إدارة جريدة جريدة مصر غدآ وبرنامج أراء حرة ...)

يعرض هذا النمودج الجدول الزمني لأوبئة COVID-19.

corona-virus-statistique.txt جارٍ عرض corona-virus-statistique.txt.

أكتب كلمة البحث هنا